الشيخ إحسان الفضلي
على مأدبة العشاء جلسنا نتناول الطعام أنا والعلوية رفيقة الجهاد الطويل وابني الصغير الذي ولد عام 2009م وكعادة هذا الجيل المتابع لوسائل التواصل شاهد مقطع لسماحة آية الله السيد محمد باقر الحكيم (شهيد المحراب) وسألني: بابا مدري ليش أحس هذا السيّد كلش مظلوم؟
وكأنه بسؤاله نكأ الجراح القديمة كلها وأعادها تنزف ثانية..ولكن على مأدبة عشاء، وفتى صغير السن لن تستطيع أن تخرج كل ما في نفسك وتكتفي بالقليل الخالد ذكراه، فأجبته: هو الابن الخامس لجدك الإمام السيد محسن الحكيم (قدس سره).
وقد امتاز بالذكاء، والذاكرة القوية، والدقة وسعة الصدر بحيث أهلته لأن يبلغ الفقاهة بعمر 24 سنة، ثمّ أصبح بعد ذلك عالماً ربانياً.
وقد امتازت مواقفه بالحكمة والثبات والصلابة، بل ووضوح البصيرة، وما ذاك إلّا لأنّه كان يفكر ويفكر كثيراً قبل اتخاذ أي موقفٍ يود التصدّيّ إليه.
ولذلك وضع (قدس سرّه) رؤيةً واقعيةً واستراتيجية لخطة العمل ضد النظام البعثي البائد تحت عنوان (تصور عام عن مستقبل العمل في العراق)، قبل أن يتصدّى بنفسه للعمل عليها، وبقي يطوّر بتلك الرؤية مع تطور الواقع في الميدان.وهذا يعني بلغة أكاديمية: أنّه (قدس سرّه) كان يمتلك الرؤية الاستراتيجية والتنظيرية مع الواقع الميدانيّ.
وعلى ضوء تلك الرؤية نظّر وعمل على بناء مؤسسات تتصدّى للعمل التخصصيّ، ومنها: المجلس اﻹستشاري للسيد الحكيم.
ومنها: إدارة مكتب العراق وجماعة العلماء المجاهدين في العراق.
ومنها: المكتب اﻹعلامي لجماعة العلماء.
ومنها: المكتب الجهادي ومؤسسة التعبئة الشعبية.
ومنها: مؤسسة الشهيد الصدر (قدس سرّه) المعنية بتقديم الخدمات للجالية العراقية في المهجر.
حتى أسس (قدس سرّه) وشارك وساهم في (21) من المنظمات والمؤسسات الخدمية، بل والكليات والمعاهد التي تساهم في بناء الإنسان وفق القيم والمبادئ التي أرسى دعائمها أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها مؤسسة شهيد المحراب التي أتشرف بالخدمة والعمل فيها.
وبالرغم من كل ذلك، فقد حورب من قبل البعض بذريعة وأخرى، ولم يسلم من التسقيط وشن الحملات المتتالية لاستهداف أيّ خطوةٍ أو حراكٍ يقوم به.
وكان منها على سبيل المثال: أنّه لمّا تصدّى للعمل السياسيّ والشأن العام بُغية خدمة المؤمنين، وسد الحاجة في هذا المضمار، حاول البعض -ممّن لا يرغب بوجوده وخدمته في الشأن العام، ولا يوافقون خطه- أن يشن عليه حملة، كان الغرض منها إسقاطه من أعين الناس بذريعة: (أنت رجل فقيه، وابن مرجع الطائفة، فلمَ تتصدّ للعمل السياسيّ وتلوّث نفسك به، ما شأنك وهذا؟ أبقى في درسك وتدريسك، وأترك السياسة لأهلها، فإنّها قذرة، ولا حاجة لك بها).
ولا زلت أتذكر كلماته (قدس سرّه) بهذا الشأن، حيث كان يقول: إنّ الأقرب إلى نفسي هو البقاء في الحوزة والتشرف بخدمتها، بل ومن المؤكد أنّني لن أتعرض لما أتعرض له الآن من الحديث وشن الحملات.ولكن ماذا أفعل، وأنا أرى وجوب التصدّي لهذا الأمر وتحمّل أعباء المسؤولية فيه؟
شوف بابا..علمود أخليك بالصورة، وتفهم جزء من حياة هذا الشهيد المظلوم، شنو رأيك نتفق نتحدث عن بعض محطات ظلامته وصبره يومياً وقت العشاء، حتى تعرف من هو شهيد المحراب (قدس سرّه)، وتحاول أن تتأسى به في صبره على المحن للوصول إلى رضا الله سبحانه وتعالى؟فأجابني ولدي: خوش، اتفقنا إن شاء الله.