16 Dec
16Dec

د. كرار الخزعلي

سيدي أبا صادق يا من لم تكن شهيد جسدٍ فقط، بل شهيد فكرة سبقت زمانها…لم يكن اغتيالك حادثة أمنية، بل كان اعترافاً صامتاً بخطورة المشروع الذي حملته، فالأفكار لا تغتال إلا حين تهدد بنية الاستبداد، ولا يستبعد الرجال إلا حين تتحول عقولهم إلى مرايا تفضح الزيف.

كنتَ تؤمن أن النجف ليست جغرافياً، بل ميزان وعي، وأن المرجعية حين تكون بوصلة، تنجو الأمة من التيه لأنها تربط السياسة بالأخلاق، والقوة بالمسؤولية،وتجعل القرار خاضعاً للضمير لا للغلبة، ورأيت أن الوطن لا يبنى بالأكثرية ضد الأقلية،ولا بالطائفة في مواجهة الطائفة،بل بوحدة تصون التنوع،وسياسة تعترف بأن الاختلاف سنة، وأن الإقصاء لعنة.

حملتَ منهج آل البيت لا بوصفه ذاكرة بكاء، بل باعتباره فلسفة حياة:- اعتدال لا تمييع.وتسامح لا ضعف.وتعايش لا تنازل عن الحق.فكان الآخر عندك إنساناً قبل أن يكون موقفاً.

آمنت بدولة سيدة،لا تدار من وراء الحدود،ولا تختصر في جماعة أو حزب،دولةٌ تحمي قرارها،وتكتب سيادتها بعرق أبنائها لا بتواقيع الغرباء.ورفضت الاحتلال بكل صوره لأنك أدركت أن أخطره ليس ذاك الذي يدخل بالدبابة بل الذي يستوطن العقل،ويعيد تشكيل القيم ويقنع الأمة أن التبعية قدر.

كنت ترى أن الكلمة حين تتوحد في القضايا المصيريةتصبح سلاحاً أخطر من الرصاص وأن الانقسام هو الهزيمة الأولى قبل أي معركة.زرعت في النفوس معنى التضحية لا كتضحية بالموت فقط،بل تضحية بالمصلحة،وبالصمت حين يكون الكلام واجباً.واجهتَ الطغيان لأنك كنت تعلم أن الاستبداد لا يعيش بلا صمت ولا يستمر بلا تبرير ولا يسقط إلا حين يفضح.وراهنت على الشباب لا لأنهم أكثر عدداً بل لأنهم أقل تصالحاً مع الظلم، وأكثر قدرة على الحلم، وأقرب إلى المستقبل من حسابات الماضي.
لهذا لم تكن شهيد لحظة، بل شهيد مشروع،ولم تكن خصماً لأشخاص، بل نقيضاً لمنظومة كاملة، وفي الأول من رجب لا نستذكرك لنبكيك بل لنسأل أنفسنا:هل ما زال مشروعك حياً فينا؟أم أننا اكتفينا بتأبين الفكرة وتركناها تغتال مرةً أخرى بالصمت؟

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - الموقع الرسمي لتيار الحكمة الوطني