23 Jun
23Jun

د. خالد قنديل (عضو مجلس الشيوخ المصري)
هناك رجالٌ تجتمع لديهم خصال الإنسانية السمحة، مكارمُ أخلاق ووعى ورُقيٌّ وحكمة وزهد وكرمٌ وعلم ووقار، ووطنية، حتى إذا امتلأت روحهم فاضت وامتلأت، وفاضت حتى تغدق على المكان والزمان، ومن فيهما، ويبقى أثرهم نافذًا بالسنا فى روح من يجالسهم، ويظلون مُلهمين فى دروب الحياة وإن افترقوا، هؤلاء الرجال الذين يسمو قدرهم وتتواضع نفوسهم، لتمسَ بشاشةُ المُحيا وجزالةُ اللسان وفصاحةُ البيان روحَ الأحياء، فيقدمون الجمال على موائد من عقيق، وبما يليق بالنورانيين المخلصين، فيوجدون فى حياتنا مصداقًا لقول الشاعر:حرٌّ إذا جئتَه يومًا لتسألَهأعطاك ما ملكتْ كفَّاه واعتذرايُخفى صنائعَه واللهُ يظهرُهاإنَّ الجميلَ إذا أخفيته ظهرامن هؤلاء الرجال الذين عانقوا أوطانهم فى أتراحها وأفراحها، وتشعبوا فى تكوينها وتاريخها، وفى آلام وآمال شعبها، سماحة السيد عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة الذى شرفتُ أيما شرف بلقائه خلال فعاليات القمة العربية الرابعة والثلاثين فى بغداد، تلك القمة التى جاءت فى لحظة تاريخية ومفصلية من تاريخ الأمة، كما كانت أحد مفترقات الطرق المميزة لخطى بلاد الرافدين الراسخة، نحو تبوؤ مكانتها الطبيعية والمستحقة إقليميا ودوليا وفقا لمعطيات التاريخ والحضارة. وقد لمست فى سماحته هذا القدر الهائل من المعرفة والثقافة والوعى والاعتدال، والقدر الوافر من حب الوطن الذى عايش أمجاده وإخفاقاته وإصراره العنيد على الخروج من نفق الأزمات والحروب والفتن، إلى إشراقة البناء والتنمية والتماسك والانفتاح على العالم، وقد كان حوارًا ضافيا وملهمًا أشبه بنافذة تنفتح على جميع القيم النبيلة، من خلال خبرة ودراية بالحياة وكذا بوطنه الكبير العراق، وهو رجل الدين والسياسى البارز وصاحب الرؤى الحكيمة والمبادرات الخلاقة لنهضة الأمة العربية بشكل عام، ونهضة العراق خصوصًا. وليس من خلال نظرة ضيقة ومقصورة على الشأن الداخلى، بل بنظرة أشمل وأعم نحو علاقات الجوار وما بعدها، رأيت فى الحكيم هذا الفهم العميق والإدراك الدائم للدور الذى يلعبه العراق اليوم فى القضايا الإقليمية والدولية، ونجاحه فى تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية للدولة، وبناء علاقات خارجية متوازنة مع محيطه العربى والإقليمى والدولى، وعلى أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، واحترام السيادة. لقد رأيت هذا الحب الكبير للدولة المصرية شعبًا وقيادة، وتقديره الجم واعتزازه بالروابط التاريخية بين البلدين الحضاريين العريقين، والإحساس بالامتنان لمصر، وهو ما عرفته ولمسته عن قرب فى هذا اللقاء، وقبل ذلك خلال زيارة سماحته القاهرة ولقائه الرئيس السيسى، وتقديره هذا الاستعداد الدائم من قبل مصر والمصريين لتسخير جميع الإمكانات لدعم جهود التنمية وتحقيق تطلعات الشعب العراقي. ودعم العراق فى مختلف المجالات، علاوة على الدور الواضح فى الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة ومصالح شعوبها، وفى القلب منها الحفاظ على جوهر القضية الفلسطينية والتمسك بالتراب الوطنى الفلسطينى حقًا تاريخيا وأزليا لأبناء فلسطين.إنه السيد عمار الحكيم، صاحب المشروع الوطنى الفكرى، والرؤى السديدة، والإيمان بالوطن، والمبادرات الفارقة الخلاقة فى العلم والتطوير والبناء وتعظيم تاريخ الدولة العراقية ومدنها التراثية، وتأهيل المحافظات، وحقوق الطفل ونهضة المرأة، وكل ما يتعلق بدعم نهوض بلاد الرافدين، والذى خرجت من لقائى بسماحته، لا أحمل قرارًا، ولا أجندة، ولا توقيعًا. بل خرجت بشيء لا يمكن رصده بالكلمات التقليدية المعتادة، أو حتى بالبلاغة الصوتية، وإنما بإحساس مهيب بأن هناك رجالاً حين تلتقيهم لا يُغيرون رأيك، بل يعيدون ترتيب إحساسك بالاتزان، ببساطة لأنهم يحملون اتزانهم كمن يحمل كأس ماء فى زحام حريق.. لا ينسكب منه شيء.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2025 جميع الحقوق محفوظة - الموقع الرسمي لتيار الحكمة الوطني