علي الياسري
تشاءُ الأقدار بعض الأحيان أن تجعل علاقة معينةً بين أرقام التاريخ، للاعتبار أو التنبيه، وقد يكون الأمر خاضعًا لمشيئة الصدفة، ولكن بكل الأحوال، تبقى الذكريات متعلقة بتواريخها، هذه لعنة التوثيق، أو نعمته، لا أدري بالتحديد، لكني أعرفُ أن الذكرى كلما كانت أكثر أثرًا، كلما تمسكت بالمشاعر التي رافقتها، فالذكريات السعيدة تغمر صاحبها بالسرور كلما مرت بخلده، والذكرى الأليمة تعصر قلبه مهما كان حاله وقت الاستذكار..
ونحن نترقب الإعلان الرسمي لمرشحي قائمتنا في مكتب سماحتهِ، بعد ساعاتٍ قلائل من اليوم الجمعة المصادف 10-10-2025، أجبرني التاريخ على استرجاع الذكرى، قبل أعوام قلائل، العام 2021 بالتحديد، 10-10-2021، تاريخ الانتخابات النيابية السابقة..
ليل ذلك اليوم، مشاعرهُ المختلطة غير المحددة.. السرعة لتخطي الشوارع المليئة بـ "زفّات" الآخرين المنتصرين انتخابيًا.. محاولة الوصول بأقصى ما يمكن للبيت لترقب الصدمة.. الساعات متضاربة الأنباء، ١٨ مقعد، ١٢ مقعد، ٨ مقاعد، ٣ مقاعد!.. تعليقات الفيسبوك، تغريدات تويتر، "أهل المقعدين".. تجنب مخالطة الناس خشية "الشماتة"، إغلاق الهواتف لعدم توفر الأجوبة المبررة، والأصعب من كل ذلك: القلق من مواجهة سماحته، الشعور بالتقصير، الخوف من عتابه، وخوفٌ أكبر على مستقبل المشروع!
لكنهُ فاجأنا.. ردد "إذا فرغت فانصب"، داوى جروح مشاعرنا، واحتوى آلامنا، وهدأ من روعنا.. ثباتهُ، إطمئنانهُ الغريب، ثقته بأن "ماكان لله ينمو"، أوصانا وهو يردد "لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلكَ أمرا" أن نترقب، فلعل الله تعالى لهُ في ذلك حكمة، ولعله سبحانه يدخرنا لشيء ما، أو يجنبنا شيء آخر، وأن في ما كتبه خير.. كانت ابتسامته ذات الابتسامة، وسلامه على إخوته وأبنائه بذات الطريقة، ونظراته أكثر محبة ولطف..
هو لم يتأثر، سماحته صار أقوى، يومًا بعد آخر يزدادُ تأثيرًا، لم يكتفي بكسر معادلات ظالمة داخلية فحسب، بل بدأ يصنع معادلات إقليمية، يقرب بين دول المنطقة، ويغيّر استراتيجياتهم تجاه العراق، ويحرر الشيعة من سجون إحدى الدول، ويحمي العراق من حربٍ طاحنة في المنطقة، وغيرها كثير، والقادم أكثر..
لكننا تأثرنا، لم نتخط الصدمة بعد، لا زلنا نطمح لكسر الذين راهنوا على نهايتنا، لم نكتفي بانتصار 2023، لا زال اعتبارنا الحقيقي لم يُرد، ولا زالت الذكرى تعصرنا بشدة.. أعطانا هذا المشروع الكثير.. ولو لم يعطنا سوى براءة الذمة في التصدي به، لكفانا.. لكن المشروع لم يكتفي بذلك، أعطانا الوجاهة، والمعرفة، والتمكين، والتنشئة الصالحة، وامتيازات عديدة ومختلفة، والأهم من ذلك، أعطانا الفرصة لنُحسب أسماءً في مشروع حفظ دماء المؤمنين ودفع الضرر عنهم، وما أعظم ذلك!
هي مسؤوليتنا.. هي الفرصة، لنحول هذا التاريخ، من ذكرى أليمة، إلى ذكرى انتصار، إما أن يبقى تاريخ 10-10 في ذاكرتنا كيوم انتخابات 2021 و يذكرنا بالانكسار، أو يصبح في الذاكرة يومَ الإعلان الرسمي لقائمتنا في 2025، العام الذي رددنا فيهِ الاعتبار وحققنا الانتصار..هي الفرصة، لا تضيعوها.