عمار العامري
تعرض موكب السيد عمار الحكيم، أثناء توجهه للمشاركة في المسيرة السنوية لزوار الإمام الحسين "عليه السلام" نحو كربلاء، إلى حادث استهداف خطير، في مشهد يثير العديد من التساؤلات، فهذه الحادثة تأتي امتداداً لسلسلة طويلة من الحملات المنظمة التي استهدفته طوال السنوات الماضية، سواء عبر التشويه الإعلامي أو الإساءة في الفضاء الإلكتروني، وبالأخص من جهات سياسية شيعية محددة سخّرت جيوشها الإلكترونية للسخرية منه واتهامه باتهامات باطلة، منذ أن واظب على إقامة مجالس العزاء في ليالي عاشوراء ومشاركته في زيارة الأربعين، واليوم، بلغ هذا الاستهداف ذروته بمحاولة اغتياله وتصفيته.
السؤال الجوهري: لماذا يُستهدف السيد الحكيم تحديداً دون غيره من القيادات الشيعية؟فهو لم يتولّ منصب رئاسة الوزراء، ولم يفرض إملاءاته على الحكومات، بل كان شأنه شأن أي كيان سياسي شيعي شريك في السلطة، فلماذا يُراد تحمّل شخصه كل إخفاقات الحكومات المتعاقبة؟
السيد الحكيم، المعروف بدعوته المستمرة للتهدئة وحل الخلافات، كان يمثل صوت الاعتدال والتسامح، حتى مع من يسيئون إليه ليل نهار، كما كان الأقرب لتمثيل الأغلبية الوطنية بمختلف مكوناتها: الشيعة والسنة والكرد، إضافة إلى كونه أحد أبرز مفاتيح العلاقات الإيجابية مع الأطراف الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من وضوح محاولة الاغتيال التي استُخدمت فيها أسلحة متنوعة خلال مسيرة دينية شيعية سلمية، وفي وقت يمر فيه العراق بظروف استثنائية وضغوط خارجية بشأن مستقبل الحشد الشعبي وتأثير أزمات الكهرباء والمياه، لم يصدر عن الحكومة العراقية ولا عن رئيسها أي موقف رسمي يدين الحادث، على الرغم من أن رئيس الوزراء نفسه صرّح في أكثر من مناسبة قائلاً: "لولا السيد الحكيم لما تحقق الاستقرار الذي رافق عملي الحكومي"، وهو الذي كان من أبرز داعميه وحشد له التأييد الشعبي في مختلف المحافظات.
المفارقة أن وسائل الإعلام، التي تحاول إلصاق تهمة "صاحب المقعدين" بالسيد الحكيم، تريد تحميله مسؤولية أخطاء سبع حكومات متتالية، وتعمل على خلق فجوة بينه وبين المرجعية الدينية، بذريعة أن أبوابها أُغلقت بوجه جميع السياسيين.
لكن، ماذا لو قرر السيد الحكيم الانسحاب نهائياً من العمل السياسي والتفرغ للنشاط الثقافي والتبليغي في ظل الوضع الإقليمي المتوتر والحرب المشتعلة في الشرق الأوسط، إلى جانب الانقسام الداخلي العراقي والاحتقان الشعبي؟هل سيكون قادة الإطار التنسيقي وغيرهم من الشيعة!! قادرين على الإمساك بزمام الأمور والحفاظ على المكتسبات السياسية والدينية التي تحققت للشيعة بعد 2003؟وهل سينتهي الفساد الذي يُتّهم به البعض، وتنتهي أزمات الكهرباء والمياه؟ أم أن غياب شخصيات جامعة كالسيد الحكيم سيدفع بالمشهد نحو الانقسام، وربما عودة لغة السلاح لتكون الحاكمة كما كاد أن يحدث سنة 2022؟ ويكون بقية قادة الشيعة ومراجع الدين تحت رحمة السلاح نفسه.
السؤال الذي طرحته يعكس قلقاً واقعياً ومشروعاً، فملف "السلاح المنفلت في العراق" أصبح واحداً من أكثر القضايا تعقيداً وخطورة، لأنه لم يعد مرتبطاً فقط بالصراعات السياسية، بل امتد ليصبح أداة لتصفية الحسابات الشخصية والاقتصادية وحتى الاجتماعية.إذا لم يُتخذ قرار سياسي حاسم مدعوم بإرادة شعبية وقوة قانونية، فهناك خطر حقيقي من أن تتحول البلاد إلى ما يشبه "غابة" تُدار بالقوة لا بالقانون، على غرار ما حصل في سوريا عندما سيطرت جماعات مسلحة على القرار السياسي والأمني، كما فعلت عصابات الجولاني التي سيطرة على السلطة وأخضعت المجتمع بالقوة.