من الرماد يولد الصوت
محمد النصراوي
في الأول من صفر، لا نُحيي مناسبة دينية أو تاريخية فحسب، بل نقف أمام لحظةٍ رمزيةٍ تتقاطع فيها المرأة مع الألم، وتتحول من مهمَّشةٍ إلى صوتٍ يصنع ذاكرةً لأمة؛ صوتٌ خرج من تحت الرماد وارتفع في وجه الصمت، ليحمل معنى البقاء رغم الانكسار.تأسّياً بسبايا آل محمد، اللواتي واجهن الطغيان بقوة الوعي، وبصبر الناطقات لا بصمت الضحايا، جاءت الدعوات لجعل هذا اليوم مناسبةً إسلاميةً سنويةً لمناهضة العنف ضد المرأة، لا بوصفه تقليداً مستورداً، بل كخطوةٍ نابعةٍ من قلب التجربة الإسلامية، وتجذّرها في حكايات الصبر والمقاومة.تحت شعار "نساء الصبر"، تتقدّم المبادرات التي تدعو إلى إحياء هذا اليوم، ومن أبرزها ما طرحه "عزيز العراق"، الراحل عبد العزيز الحكيم، باعتباره مبادرةً لتخليد ذكرى السبايا، وتوثيق الجرائم التي ارتُكبت بحق نساء أهل البيت على مرّ العصور، بصورةٍ لا تُمحى من ذاكرة التاريخ، ولا من وجدان الأمة.في لحظات الكوارث الكبرى، ينسحب الجميع وتبقى المرأة. هكذا كانت الصورة دائماً، وهكذا ستظل. السيدة زينب، واحدةٌ من أكثر الشخصيات النسائية حضوراً في الوعي الإنساني، لم تقف عند حدود الرثاء، بل أعادت تعريف الكارثة بلغةٍ لا تخضع للمنتصرين، وصنعت من خطبتها في مجلس يزيد وثيقةً شاهدةً على وعي السبايا وقدرتهن على تحدي السيف بالكلمة.هذا النموذج ليس حكراً على طائفةٍ أو مذهب، بل هو إرثٌ إنسانيٌّ مشترك، يُثبت أن المرأة ليست هامشاً في لحظة الخطر، بل ركيزة النجاة وحارسة الذاكرة.فالعنف ضد المرأة لا يُختصر في الأذى الجسدي فقط، بل يتسلل عبر اللغة، والقوانين، والأعراف، والتربية، ليصنع نظاماً غير مرئيٍّ من الإقصاء والإنهاك. وهنا تأتي أهمية هذا اليوم، لا كي نبكي على الواقع، بل لنقف في وجهه، ونعيد رسم ملامحه بما يليق بالكرامة والعدالة.ليس المطلوب من المرأة أن تصرخ كي يُسمع صوتها، ولا أن تنزع هويتها لتحصل على حقوقها، بل المطلوب من المجتمع أن يُدرك أن العدل لا يُجزأ، وأن بناء وطنٍ حقيقيٍّ يبدأ حين تُعامَل النساء بوصفهن شريكاتٍ لا توابع، ومواطناتٍ من الدرجة الأولى، لا كائناتٍ فائضة.إن تحويل الأول من صفر إلى يومٍ إسلاميٍّ لمناهضة العنف ضد المرأة هو خطوة رمزية، نعم، لكنها ضرورية، لأنها تعيد التوازن إلى الذاكرة، وتفتح باباً لإصلاحٍ ثقافيٍّ طويلِ المدى. فالمعركة ليست بين الرجل والمرأة، بل بين من يرى المرأة إنساناً كاملاً، ومن يراها ظلاً لا يستحق النور.